كيف تكون شخصاً عادياً ؟
أن يكون الإنسان عادياً , فذلك أمر هين وسهل
, يحتاج فقط الى الخمول والهدوء وإفراغ العقل من كل شيء إلا الذات ,
بذلك تموت الهمة لفعل أي شيء , ولايصبح للطموح مكان ,
ويتحول الإنسان الى شيء ينتهي كما بدأ
, فلا شيء في الدنيا ولاذكر بعد الموت .
هذه الصفة التي تصبغ العادية والنمطية على الإنسان ذو الخمول ,
أصبحت سمة لعموم الأمة إلا منرحم ربي , وأدت بالأمة الى
معاناة مع الضعف والوهن والهوان وكذلك التبعيةوالإتكالية .
وبمقارنة بسيطة بين ماكان عليه سلفنا الصالح من همة وعمل بل
وتواصل وإستمرارية بلا كلل أو ملل بحثاً عن التميز ونشداً للكمال
, وبين ماعليه عموم الأمة إلا من رحم ربي الان من نقيض ذلك ...
نجد الفرق واضح والبون شاسع .
تلك العلامة الفارقة إحدى الإرهاصات والمبشرات التي
قد تؤدي بالأمة للعودة الى جادة الطريق ومقدمة الأمم ,
وذلك متى ماجعلها أفرادالأمة طريقاً يحتذى وأثراً يقتدى .
تلك العلامة الفارقة التي أعني , هي السعي الدائم والدؤوب
الى الأرتقاء والسمو والإرتفاع والتميزفي مختلف المجالات والإهتمام
والعمل على أن يكون الإتقان سمة المؤمن .
ذلك العمل الدؤوب وتلك المداومةوالمثابرة لتحقيق تميز ونبوغ في الدنيا ,
والحصول على أعلى الدرجات في الأخرة هو مانحتاجه في الأمة ,
وهو إحدى الميزات الهامة التي غابت عن الإمة بعدأجيالها الذهبية السالفة .
إن مضمون السعي الى التميز هوالصعود الدائم الى الأعلى
وهو عدم الرضا بالوقوف في نقطة معينة وثابتة , بل بعد كل قفزة لابد من فقزة ,
وبعد كل خطوة خطوة , وكل ذلك الى الأعلى وإلى الأمام ,
يقول الإمام إبن القيم رحمة الله عليه .. "
فالعبد سائر لاواقف , فإما الى فوق وإما الى أسفل ,
إما الى أمام وإما الى وراء , وليس في الطبيعة او الشريعة وقوف البتة ,
ماهي إلا مراحل تطوى أسرع طيً الى الجنة أو النار ,
فمسرع ومبطيء ومتقدم ومتأخر , وليس في الطريق واقف البتة ,
وإنما يتخالفون في جهة السير وفي السرعة والبطء
, ( إنها لأحدى الكبرنذيراً للبشر , لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ) ,
ولم يذكر واقفاً إذ لامنزل بينالجنة والنار ولاطريق سالك الى غير الدارين البتة ,
فمن لم يتقدم الى هذه بالأعمال الصالحة فهو متأخر الى تلك بالأعمال السيئة .
هذا السعي الى التميز يقود الى ريادة في الخير والهداية ,
قال تعالى ...
(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)
والسعي الى التميز يكون على مستوى الصلة بالله وعلى
مستوى الايمان والاعمال الصالحة , اذ ان المسلم العامل
يحرص على ان يزداد ويرتقي في مدارج السالكين كل يوم ,
وذلك مسلك ائمة السلف اذ ورد عن الامام احمد بن حنبل
رحمة الله عليه انه كان كل يوم يزداد عن اليوم الذي قبله ,
وذلك في الدين والسلوك والخلق .
كما ان ذلك الإرتقاء والتميز والحرص على السمو يكون
على مستوى تطوير الذات والإمكانيات ,
إذ ان هذا التطوير يجلب له النفع والفائدة ,
ويجعل منه شخصاً لامعاً ومتميزاً , فيكون له الأثر على من حوله .
تلك الصفة متى مانتشرت بين عموم الأمة ,
يكون العموم مضرب مثل للعموم , ويكون العموم همه مصلحة العموم ,
ويكون العموم يسعى دائماً الى الأمام والى الأعلى
حتى يصلوا باأمتهم الى جادة الطريق حيث مقدمة الركب والأمم والحضارات .